جزانا واياكم جميعا
الفصل التاني
وبالوالدين إحسانا
* قال تعالى: وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيماً . وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيراً . *
وبالوالدين إحسانا ، ولم يقل " وبالوالدين فاعدل "
مع أن العدل درجة أقل من درجة الإحسان .
لأن العدل : أن تعطى من أعطاك مثلما أعطاك .
أما الإحسان : فهى درجة أعلى من العدل بأن تزيد عن العدل أو تعطى بلا مقابل .
ومع أننا لا نستطيع أن نعدل مع آبائنا ، فقد أمرنا الله معهم بما هو فوق العدل حتى نشعر دائما أننا مقصرون فى حقهما ، وأننا مهما فعلنا لهم من برٍ فلا يمكن أن نكافئهم .
موقف الرجل الذى يحمل أمه وابن عمر
ولقد رأى ابن عمر رضى الله عنهما رجلا يحمل أمه فى الحج ويطوف بها فقال لابن عمر : يا صاحب رسول الله : هل ترانى وفيتُها حقها ؟ فقال ابن عمر : لا , ولو بطلقة واحدة ولو بزفرة واحدة . فإنها كانت تفعل ذلك وترجو حياتك ، أما أنت فتنتظر موتها .
فأنت لا تستطيع أن تكافئ أباك وأمك أبدا ، مهما فعلت لهما .
لنا فى أنبياء الله أسوة حسنة
صلي الله عليه وسلم فهذا شيخ المرسلين " نوح عليه السلام " يدعو فيقول :
" رب اغفر لى ولوالدى ولمن دخل بيتى مؤمنا وللمؤمنين والمؤمنات ولا تزد الظالمين إلا تبارا "
وهذا نبى الله "إبراهيم عليه السلام" يدعو أباه الى دعوة التوحيد الخالص وظل يترقق له مع كفره ويقول " يا أبت .. يا أبت " فلما هدده أبوه وتأكد إبراهيم من تمام إعراض والده قال "سلام عليك سأستغفر لك ربى إنه كان بى حفيا "
وهذا نبى الله إسماعيل عليه السلام يقول لأبيه - وقد همّ أبوه بذبحه - فقال إسماعيل عليه السلام " ... يا أبت افعل ما تؤمر ستجدنى إن شاء الله من الصابرين "
وهذا نبى الله يحيى بن زكريا عليهما السلام يصفه القرآن الكريم فيقول : " وبرًا بوالديه ولم يكن جبارًا عصيا "
وهذا نبى الله يوسف عليه السلام لما بلغ من أعلى الدرجات وأرقى المكانات يقص علينا الله حاله فيقول : " .. ورفع أبويه على العرش .. "
وهذا نبى الله عيسى عليه السلام يقول عن نفسه وهو لا يزال فى المهد : " وبرًا بوالدتى ولم يجعلنى جبارًا شقيا "
ولنا فى أصحاب رسول الله وتابعيهم أسوة حسنة
فها هو أبو هريرة :
كان إذا أراد أن يخرج من بيته وقف على باب أمه فقال: السلام عليك يا أماه ورحمة الله وبركاته، فتقول: وعليك السلام يا ولدي ورحمة الله وبركاته، فيقول: رحمك الله كما ربيتني صغيراً، فتقول: رحمك الله كما بررتني كبيراً.
كلما خرج وكلما دخل يفعل ذلك .
وكان يدعو لنفسه ولأمه قائلا : " اللهم حببنى وأمى إلى عبادك المؤمنين "
وهذا ابن عمر رضى الله عنهما :
لقيهُ رجلٌ من الأعراب بطريق مكة فسلم عليه عبد الله ، وحمله على حمار كان يركبه ، وأعطاه عمامة كانت على رأسه. فقالوا له: أصلحك الله إنهم الأعـراب ، وإنهم يرضون باليسـير .
قال عبد الله : إن أباً هذا كان وُدّا لعُمر بن الخطاب ، وإنّي سمعتُ رسول الله يقول : إن أبرَّ البِرّ صلةُ الولد أهل وُدّ أبيه.
أما عبد الله بن مسعود
فقد طلبت والدته في إحدى الليالي ماء، فذهب ليجيء بالماء، فلما جاء وجدها نائمة، فوقف بالماء عند رأسها حتى الصباح، فلم يوقظها خشية إزعاجها، ولم يذهب خشية أن تستيقظ فتطلب الماء فلا تجده.
وها هو ابن الحسن التميمي رحمه الله
يهمُّ بقتل عقرب، فلم يدركها حتى دخلت في جحر في المنزل، فأدخل يده خلفها وسد الجحر بأصابعه، فلدغته، فقيل له: لم فعلت ذلك؟ قال: خفت أن تخرج فتجيء إلى أمي فتلدغها.
أما ابن عون المزني :
فقد نادته أمه يوماً فأجابها وقد علا صوته صوتها ليسمعها، فندم على ذلك وأعتق رقبتين.
وهذا حيوة بن شريح:
وهو أحد أئمة المسلمين والعلماء المشهورين، يقعد في حلقته يعلم الناس ويأتيه الطلاب من كل مكان ليسمعوا عنه، فتقول له أمه وهو بين طلابه: قم يا حيوة فاعلف الدجاج، فيقوم ويترك التعليم.
يتبع