فضل سورة الكهف

موضوع: فضل سورة الكهف الأحد مايو 25, 2008 10:11 am

فضل سورة الكهف

عصام غازي يكتب لكل الناس بتاريخ 22-28 ديسمبر 2004

لإنسان تحاصره دائماً المغريات والفتن التي تزداد ويقوى تأثيرها مع تعقد الحياة وثورة الطموحات وزحام وتعارض المصالح..وتتحول حياة كل منا إلى معركة شخصية لينجو بنفسه ودينه من تأثير هذه الفتن.
الداعية عمرو خالد من واقع قراءته الجديدة لسورة "الكهف"، يختار فتن الدين والمال والعلم والسلطة والتي تجسدها القصص الأربع بالسورة..والتي يرسم لنا أيضاً كيف نواجه كلا منها ونعصم أنفسنا منها.
سألت عمرو خالد:
لك اجتهادك في تفسير سورة "الكهف"... ما سر ولَعِك بهذه السورة؟
سورة "الكهف" عبارة عن 4 قصص: الأولى تحكي قصة أهل الكهف. والثانية قصة أصحاب الجنة. والثالثة قصة موسى والخضر، والرابعة قصة "ذو القرنين". كل قصة وراءها أهداف ومعان، سوف نوضحها.

الملك الظالم وأهل الكهف؟

القصة الأولى قصة شباب آمن بالله تبارك وتعالى. القرية التي يعيشون فيها يحكمها ملك ظالم وغير مؤمن. وقد عرض الشباب المؤمن إسلامهم على الناس، فبدأ الناس يكذبونهم، فأوحى الله تبارك وتعالى إلى هؤلاء الفتية أن يأووا إلى الكهف هرباً من الاضطهاد.
يقول الله سبحانه وتعالى: "إذ أوى الفتية إلى الكهف فقالوا ربنا أتنا من لدنك رحمة وهيئ لنا من أمرنا رشدا. فضربنا على آذانهم في الكهف سنين عددا. ثم بعثناهم لنعلم أي الحزبين أحصى لما لبثوا أمدا.
نحن نقص عليك نبأهم بالحق إنهم فتية آمنوا بربهم وزدناهم هدى. وربطنا على قلوبهم إذ قاموا فقالوا ربنا رب السموات والأرض لن ندعوا من دونه إلهاً لقد قلنا إذاً شططا. هؤلاء قومنا اتخذوا من دونه آلهة لولا يأتون عليهم بسلطان بين فمن أظلم ممن افترى على الله كذباً".
وبقى هؤلاء الفتية في الكهف ثلاثمائة سنة وازدادوا تسعة. ثم بدأت المعجزات تحدث: "وترى الشمس إذا طلعت تزاور عن كهفهم ذات اليمين وإذا غربت تقرضهم ذات الشمال وهم في فجوة منه ذلك من آيات الله من يهد الله فهو المهتد ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشدا. وتحسبهم إيقاظا وهم رقود ونقلبهم ذات اليمين وذات الشمال وكلبهم باسط ذراعيه بالوصيد لو اطلعت عليهم لوليت منهم فرارا ولملئت منهم رعبا".
معجزات من أجل الحفاظ على هؤلاء الفتية، حتى استيقظوا بعد 309 سنوات، فوجدوا أن كل الناس قد آمنوا. وأن الدنيا تغيرت تماما، وأنهم في مجتمع جديد كله إيمان.

نهاية من يغتر بماله

القصة الثانية قصة رجل عنده جنة، بها نخيل وأعناب وزرع، ومن كثرة الغنى والمال الذي عنده طغى، ونسى القرب من الله تبارك وتعالى:
"واضرب لهم مثلاً رجلين جعلنا لأحدهما جنتين من أعناب وحففناهما بنخل وجعلنا بينهما زرعاً. كلتا الجنتين أتت أكلها ولم تظلم منه شيئاً وفجرنا خلالهما نهراً" إلى أن قال تعالى: (ودخل جنته وهو ظالم لنفسه قال ما أظن أن تبيد هذه أبداً وما أظن الساعة قائمة ولئن رددت إلى ربي لأجدن خيراً منها منقلباً. قال له صاحبه وهو يحاوره أكفرت بالذي خلقك من تراب ثم من نطفة ثم سواك رجلاً".
ثم كانت النهاية لهذا الرجل الذي اغتر بماله: "وأحيط بثمره فأصبح يقلب كفيه على ما أنفق فيها وهي خاوية على عروشها ويقول يا ليتني لم أشرك بربي أحداً. ولم تكن له فئة ينصرونه من دون الله وما كان منتصراً".
ما علاقة قصة هذا الرجل بأهل الكهف؟

رحلة موسى..والخضر

وتأتي القصة الثالثة: قصة موسى والخضر فسيدنا موسى يسأله قومه: من أعلم أهل الأرض؟ فيقول: أنا أعلم أهل الأرض. فقد ظن أن لديه العلم الكافي لأنه نبي، فأوحى إليه الله تبارك وتعالى: لا هناك من هو أكثر علماً منك. ويقطع سيدنا موسى مسافة طويلة لدرجة أنه يقول لفتاه: لقد لقينا من سفرنا هذا نصباً. ووصل إلى هذا الرجل الصالح الذي لديه علم مختلف. علم الثقة بقدرة الله تبارك وتعالى، وأن الله له في قضائه وقدره شيء يجعلك تثق أن الله هو مدبر الكون. فلا يكفي علم الكتب، إنما لابد من علم معرفة الله حق المعرفة.
ويصاحب سيدنا موسى الخضر، ويشترط عليه الخضر: لا تسألني عن شيء حتى أحدث لك منه ذكراً، ويقول له موسى: ستجدني إن شاء الله صابراً ولا أعصى لك أمراً. وتحدث المواقف الثلاثة: قصة السفينة التي يخرقها الخضر ويغرق أهلها، فيغضب سيدنا موسى لهذا. فيخبره أن ملكاً ظالماً كان ينتظر وصول هذه السفينة ليقتل من فيها ثم يستولى عليها. فأغرق الخضر السفينة لينجو أهلها بعد ذلك. فالله بهذا يقدر الأمور لما فيه خير الناس. وهذا هو العلم الذي أراد الخضر أن يعلمه لموسى ومن ثم يعلمه لنا. الله سبحانه وتعالى يريد أن يقول لنا: تعالوا لتعرفوا كيف يُدار الكون. ثم بعد ذلك تحدث قصة الغلام الذي قتله الخضر، ويغضب سيدنا موسى من أجله فيُذكره الخضر بالشرط الذي اشترطه عليه ألا يسأله عن شيء يَحْدث حتى يقوله هو له، فتعلم سيدنا موسى كيف يكون حليماً صبوراً. ثم يتبين له أن هذا الغلام كان عاقاً لأبيه وأمه وكان عاصياً لهما. ثم تأتي القصة الثالثة: قصة الجدار المنهار الذي أقامه الخضر بدون أجر. وعرف بعد ذلك أنه لغلامين يتيمين. وأقام الجدار لأن أسفله كنز لهما، لابد من إقامة الجدار للحفاظ عليه. ما علاقة قصص الخضر بأهل الكهف؟

الملك العادل

القصة الرابعة: قصة ذي القرنين. ملك عادل نشر الخير والحق والعدل في الأرض. لديه تكنولوجيا متقدمة جداً. " وآتيناه من كل شيء سببا". لديه كل الأسباب المادية للنجاح في الحياة يمر على البلاد والأمم يهديهم ويأخذ بأيديهم ويؤكد كل يوم أنه ملك عادل يملأ الأرض عدلاً وإحساناً وليس جوراً وظلماً كما يحدث في حضارات أخرى جاءت بعد ذلك. حتى يصل إلى أناس مفسدين في الأرض.
"قالوا يا ذا القرنين إن يأجوج ومأجوج مفسدين في الأرض فهل نجعل لك خرجا على أن تجعل بيننا وبينهم سدا. قال ما مكنى فيه ربي خير فأعينوني بقوة أجعل بينكم وبينهم ردماً". ويقام الجدار الذي بسببه لا يعلم أحد أين ذهبا يأجوج ومأجوج حتى تقوم الساعة.

ثواب سورة الكهف

ما علاقة كل هذه القصص ببعضها حتى تأتي في سورة واحدة؟
قبل أن أوضح لك العلاقة أريد أن أذكر فضل وثواب سورة "الكهف" النبي صلى الله عليه سلم يقول: "من قرأ سورة الكهف في يوم الجمعة أضاء الله له نوراً من تحت قدميه إلى عنان السماء".
وحديث آخر للنبي صلى الله عليه سلم: "من قرأ العشر الأواخر من سورة الكهف كانت له عصمة من الدجال". ويقصد المسيخ الدجال.
وحديث ثالث للنبي صلى الله عليه سلم: "من أدركه منكم. يقصد الدجال –فليقرأ عليه فواتح سورة الكهف" "رواه مسلم". القرآن بناء متكامل، كل قصة فيه تخدم المعنى. فقصة سيدنا موسى مع الخضر. لم تأت بذكر فرعون أو الغرق أو العصا لأنها هنا تخدم معنى آخر.

فتنة النساء

سورة الكهف تتحدث عن الفتن الأساسية في حياة الناس.
تقول لنا سورة الكهف: انتبهوا..هناك 4 فتن خطيرة جداً في حياتكم:
أولها: فتنة الدين. أن شخصاً يُفتن في دينه. سواء بالإيذاء فيبتعد عن دينه. أو يخاف أن يعبد الله فيضطهد. أو يتدين ويفسد بسبب فتنة النساء مثلاً. وهذه يمثلها أهل الكهف.
الثانية: فتنة المال.
قصة الجنتين "وكان له ثمر فقال لصاحبه وهو يحاوره أنا أكثر منك مالاً وأعز نفراً" المال والجاه.
الثالثة: فتنة العلم.
أن أحداً يظن بعلمه أنه لم يسبقه أو ينافسه أحد، فلا يتواضع. ويدب بنفسه الغرور والتيه، أو يتعلم علماً لا يفيد المجتمع. أو يستخدم علمه فيما يضر المجتمع. فالقنبلة الذرية حين ألقيت على هيروشيما، كانت استخداماً للعلم في الإضرار بالبشرية وهناك نواح كثيرة استخدم فيها العلم للإضرار بالمجتمع. وهناك أناس تعلموا علماً يفيد المجتمع، لكن أصابهم العجب والغرور.
فتنة العلم جسدتها حكايات موسى والخضر.
الرابعة: فتنة السلطة.
وقد جسدتها قصة "ذي القرنين". فلديه سلطة يستطيع بها قيادة الأرض. ولديه القوة والتكنولوجيا والمال لتحقيق ذلك. حضارة قوية تملأ الأرض. فهل يستخدم هذه السلطة فيما ينفع الناس. أم فيما يضرهم؟
ولذلك ذي القرنين تجده يقول: (قال أما من ظلم فسوف نعذبه ثم يرد إلى ربه فيعذبه عذاباً نكراً. وأما من أمن وعمل صالحاً فله جزاء الحسنى وسنقول له من أمرنا يسراً". هذا هو الخيط الذي يجمع القصص الأربعة في سورة "الكهف"، خيط الفتن: الدين والمال والعلم والسلطة.

فتش عن إبليس

من الذي يحرك هذه الفتن؟
الله سبحانه أوضح ذلك من خلال إبرازه لدور إبليس. حيث أوضح أن دور إبليس الأساسي هو إشاعة الفتنة وتحريكها. والآية 50 تهزنا من داخلنا حين تقول: "وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس كان من الجن ففسق عن أمر ربه أفتتخذونه وذريته أولياء من دوني وهم لكم عدو بئس للظالمين بدلا". هل من المعقول أن تتبعوا إبليس وذريته وهو عدوكم؟
النجاة من الدجال
لماذا تنجي هذه الصورة قارئها من فتنة المسيخ الدجال؟
يقول النبي صلى الله عليه سلم: "ما بين خلق آدم إلى قيام الساعة ما من فتنة أعظم من الدجال". أعظم فتنة ستمر بها البشرية من يوم خلق آدم إلى قيام الساعة هي فتنة المسيخ الدجال. والمسيخ الدجال سيركز في فتنته على: الدين والمال والعلم والسلطة.
سيذهب الدجال إلى رجل يقول له: لو أحييت لك أباك وأمك هل تكفر بالله وتؤمن بي؟ فيكفر بالله ويؤمن بالمسيخ الدجال.
ويذهب لرجل يقول له: لو أنزلت لك مطراً على أرضك وأنبتّ لك فيها زرعاً يحول الصحراء إلى جنة. هل تؤمن بي؟ يقول له: نعم. تلك فتنة المال.
ويستخدم المسيخ الدجال سلطته فيقهر الناس بقوته وسيطرته على الأرض. وهذه فتنة السلطة وسيستخدم العلم والتكنولوجيا في إبهار الناس ليؤمنوا به. وهذه فتنة العلم. الفتن الأربعة موجودة في سورة " الكهف"، لهذا قال النبي صلى الله عليه سلم: "إن من يقرأها ينجو ويعصم من فتنة الدجال" لأن هذه السورة تحصنك وتعصمك من الفتن الأربعة التي سيركز عليها الدجال.

كيف تعصم نفسك؟

هدف سورة "الكهف" إذا هو العصمة من الفتن.
الفتنه الأولى: فتنة أهل الكهف. كيف ننجو من هذه الفتنة؟ أي فتنتنا في ديننا؟
(واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه)..أي أن تكون لك صحبة صالحة. والصحبة الصالحة أكبر وسيلة للحفاظ على دينك. وهناك عصمة أخرى هي تذكر الآخرة.
أما فتنة المال..كيف ننجو منها؟ بفهم حقيقة الدنيا.
(واضرب لهم مثل الحياة الدنيا كماء أنزلناه من السماء فاختلط به نبات الأرض فأصبح هشيماً تذروه الرياح وكان الله على كل شىء مقتدرا). كذلك بتذكر الآخرة:
(ووضع الكتاب فترى المجرمين مشفقين مما فيه ويقولون يا ويلتنا مال هذا الكتاب لا يغادر صغيرة و لا كبيرة إلا أحصاها ووجدوا ما عملوا حاضراً ولا يظلم ربك أحداً).
وفتنة العلم..كيف النجاة منها؟
بالتواضع: (قال ستجدني إن شاء الله صابراً لا أعصى لك أمراً)..
أما فتنة "ذي القرنين"..فتنة السلطة، فالنجاة منها بالانقياد لله سبحانه والإخلاص والتواضع، وكذلك بتذكر الآخرة.

منقولة للأمانة العلمية

اللهم ارزقنا النجاة من الفتن

جزاك الله خيرا علي نقلك الرائع

بجد بجد ربنا يكرمك وجعله ربي في ميزان حسناتك

قال عليه الصلاة والسلام : ( من قرأ سورة ( الكهف ) ليلة الجمعة، أضاء له من النور ما بينه وبين البيت العتيق ) [ صححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب / 736 ] ..

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( من حفظ عشر آيات من أول سورة الكهف عُصم من " فتنة " الدَّجال ) [ صححه الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة / 582 ] ..

اللهم اعصمنا من الفتن ماظهر منها وما بطن

جزاك الله خيرا اختي وبارك الله فيك

جعلها ربي في ميزان حسناتك